::::الأمراض الخَمَجِيّة والجهاز المناعي:::
تختبئ البكتيريا (الجراثيم) والڤيروسات والعوامل الممرضة الأخرى في مواقع مختلفة
من الجسم بعد خمجها له . وكل مكوِّن من مكونات الجهاز المناعي بارع
في مداهمة الغزاة من موقع واحد.
<E.W.پول>
مازالت الأمراض الخمجية السببَ الأساسي في وفيات البشر في العالم كله. وما فتئت الملاريا (البرداء) والسل (التدرُّن) والإسهال الخمجي
وأمراض عديدة أخرى تفرض ضريبة باهظة يدفعها الإنسان معاناة ووفاة، لا سيما في بلدان العالم النامي. وقد افتُرض، لفترة من الزمن،
وعلى نطاق واسع، أن السيطرة على الأمراض الخمجية قد تمت في الأقطار الصناعية على أقل تقدير. ولكن ظهور الإيدز، والانتعاش الحديث
للسل، بما في ذلك ظهور ذرارٍ مقاومة لعقاقير عديدة، تؤكد جميعها أن الوحش لم يَمُتْ بل مستسلم للنوم فحسب.
وعلى الرغم من تلك الحقائق المروعة، فإن قدرة الجهاز المناعي على التعامل مع الخمج هي قدرة لافتة للنظر، لا سيما حينما تدعمها تقانة
اللقاحات الحديثة. لقد أمكن استئصال الجدري استئصالا كاملا بفضل الجهود العالمية المنظمة التي بُذلت في مجال التلقيح: آخر حالة جدري
سببها خمجٌ طبيعي ظهرت في الصومال عام 1977. والأمل كبير في الوصول إلى نجاح مماثل في مكافحة شلل الأطفال
(التهاب سنجابية النخاع)، وقد حددت منظمةُ الصحة العالمية هدفها الرامي إلى استئصال هذا الداء بحلول عام 2000، وربما يمكن القول
إن هذا المرض قد قُضي عليه قضاء مبرما في نصف الكرة الغربي. وتؤكد هذه الانتصارات ضرورةَ استعمال اللقاحات التي نملكها الآن كي
تحقق فاعليتها القصوى، وضرورةَ تطوير لقاحات مضادة للأمراض التي مازالت تؤلف مشكلات صحية عامة ضخمة.
وقد يكمن مفتاح النجاح المنشود في إدراك أعمق للكيفية التي يستجيب بها الجهاز المناعي للعوامل الخمجية. إن وسائل الدفاع المناعية
الشديدة التعقيد، وهي التي تُرى في البشر وغيرهم من الكائنات الحية العليا، قد أخذت شكلها على مدى التطور الذي حدث في أثناء
الصراع الدائم بين الأحياء المجهرية شديدة الطفور mutability وبين عوائلها (أثويائها) hosts. إن هذا الصراع التطوري يلخص
نفسه في كل فرد منا: إن السلاح المناعي للإنسان يواجه تحديات لا حصر لها على امتداد حياته، ويهزم أعداء لا يمكن عدُّها. والخمج
المميت هو الذي يمثل في معظم الأحيان الخسارة التامة الوحيدة في حملة مظفرة بوجه عام.
وتتشكل استجابة الفرد المناعية بحسب التحديات التي يواجهها هذا الفرد؛ إذ إن آليات الاستجابة هي كمضاداتها، متعددة ونوعية. فاللمفاويات
قادرة على كشف الكائنات الحية الغازية لأنها مزوَّدة بجزيئات مستقبلية موجودة على سطحها، وبوسع جينات (مورثات) هذه المستقبلات أن
تتخالط وتتنوع كي تنتج بِنى توافق عمليا أي مادة غريبة. وعلاوة على ذلك، إن الخلايا المتنوعة التي تؤلف الجهاز المناعي ذات
وظائف متخصصة، وهذه التخصصات تهب الفقاريات القدرة على تعرف الأحياء المجهرية التي توطد أركانها في بيئات صِغْرِيَّة (مكروية)
مختلفة ضمن الجسم فتقضي عليها (أو تسيطر عليها على أقل تقدير). إن تعقّد الاستجابة المناعية ـ وهو السمة ذاتها التي تُكسبها مرونة
ونفوذا غير اعتياديّيْن ـ يطرح تحديات كبيرة أمام أولئك الذين يودون حل ألغاز هذه الاستجابة.
وانطلاقا من هذه الفكرة، فإنه من المجدي وصف الفهم الحالي للاستجابة المناعية بالنسبة إلى علاقتها بالأنماط الخمجية المختلفة. ويمكن
القول بوجه عام: إن كل مكوِّن من مكونات الجهاز المناعي يبدو موجها ضد العوامل التي تخمج موضعا محددا في جسم الإنسان. وعلى
سبيل المثال، إن البروتينات المناعية التي يطلَق عليها اسم الأضداد فعالة على نحو خاص في تخريب البكتيريا (الجراثيم) التي تعيش خارج
الخلايا البشرية ـ ولْنقلْ في الدم أو في السائل المحيط بالخلايا الرئوية. أما كريات الدم البيض المعروفة باللمفاويات التائية CD4 فهي
ذات أهمية أساسية في هزم البكتيريا والطفيليات التي تعيش داخل الخلايا، وعلى الخصوص تلك الموجودة في العُضَيّات organelles
التي تؤلف طريق عبورها إلى الخلايا. وهناك صنف آخر من كريات الدم البيض هو اللمفاويات التائية CD8 يقضي على العوامل
المُمْرِضَة كالڤيروسات المرتبطة ارتباطا وثيقا جدا بالماكِنة الخلوية للعائل.
وبالطبع، إن هذه النظرة إلى الجهاز المناعي نظرة مفرطة في التبسيط، إذ إن أشد الاستجابات المناعية وقاية تقتضي أن تعمل مكونات
الجهاز المناعي جميعها على نحو منسجم. ومن الناحية العملية، إن كل جزء من هذا الجهاز المناعي قد يدخل بشكل مباشر أو غير مباشر
في صد أي نمط من الأخماج تقريبا. وعلى سبيل المثال، يغلب أن يطلَق على الخلايا التائية CD4، وبقليل من الدقة، اسم الخلايا التائية
المساعدة (المؤازرة) helper T cells لأنها من الوجهة العملية تفرز مواد تضخم مظاهر المناعة وتضبطها جميعا. ومهما يكن الأمر، فهذا
المخطط المبسط يقدم حقا نظرة عميقة إلى الاستجابات الرئيسية في معركة الجهاز المناعي ضد العوامل الممرضة.
تختبئ البكتيريا (الجراثيم) والڤيروسات والعوامل الممرضة الأخرى في مواقع مختلفة
من الجسم بعد خمجها له . وكل مكوِّن من مكونات الجهاز المناعي بارع
في مداهمة الغزاة من موقع واحد.
<E.W.پول>
مازالت الأمراض الخمجية السببَ الأساسي في وفيات البشر في العالم كله. وما فتئت الملاريا (البرداء) والسل (التدرُّن) والإسهال الخمجي
وأمراض عديدة أخرى تفرض ضريبة باهظة يدفعها الإنسان معاناة ووفاة، لا سيما في بلدان العالم النامي. وقد افتُرض، لفترة من الزمن،
وعلى نطاق واسع، أن السيطرة على الأمراض الخمجية قد تمت في الأقطار الصناعية على أقل تقدير. ولكن ظهور الإيدز، والانتعاش الحديث
للسل، بما في ذلك ظهور ذرارٍ مقاومة لعقاقير عديدة، تؤكد جميعها أن الوحش لم يَمُتْ بل مستسلم للنوم فحسب.
وعلى الرغم من تلك الحقائق المروعة، فإن قدرة الجهاز المناعي على التعامل مع الخمج هي قدرة لافتة للنظر، لا سيما حينما تدعمها تقانة
اللقاحات الحديثة. لقد أمكن استئصال الجدري استئصالا كاملا بفضل الجهود العالمية المنظمة التي بُذلت في مجال التلقيح: آخر حالة جدري
سببها خمجٌ طبيعي ظهرت في الصومال عام 1977. والأمل كبير في الوصول إلى نجاح مماثل في مكافحة شلل الأطفال
(التهاب سنجابية النخاع)، وقد حددت منظمةُ الصحة العالمية هدفها الرامي إلى استئصال هذا الداء بحلول عام 2000، وربما يمكن القول
إن هذا المرض قد قُضي عليه قضاء مبرما في نصف الكرة الغربي. وتؤكد هذه الانتصارات ضرورةَ استعمال اللقاحات التي نملكها الآن كي
تحقق فاعليتها القصوى، وضرورةَ تطوير لقاحات مضادة للأمراض التي مازالت تؤلف مشكلات صحية عامة ضخمة.
وقد يكمن مفتاح النجاح المنشود في إدراك أعمق للكيفية التي يستجيب بها الجهاز المناعي للعوامل الخمجية. إن وسائل الدفاع المناعية
الشديدة التعقيد، وهي التي تُرى في البشر وغيرهم من الكائنات الحية العليا، قد أخذت شكلها على مدى التطور الذي حدث في أثناء
الصراع الدائم بين الأحياء المجهرية شديدة الطفور mutability وبين عوائلها (أثويائها) hosts. إن هذا الصراع التطوري يلخص
نفسه في كل فرد منا: إن السلاح المناعي للإنسان يواجه تحديات لا حصر لها على امتداد حياته، ويهزم أعداء لا يمكن عدُّها. والخمج
المميت هو الذي يمثل في معظم الأحيان الخسارة التامة الوحيدة في حملة مظفرة بوجه عام.
وتتشكل استجابة الفرد المناعية بحسب التحديات التي يواجهها هذا الفرد؛ إذ إن آليات الاستجابة هي كمضاداتها، متعددة ونوعية. فاللمفاويات
قادرة على كشف الكائنات الحية الغازية لأنها مزوَّدة بجزيئات مستقبلية موجودة على سطحها، وبوسع جينات (مورثات) هذه المستقبلات أن
تتخالط وتتنوع كي تنتج بِنى توافق عمليا أي مادة غريبة. وعلاوة على ذلك، إن الخلايا المتنوعة التي تؤلف الجهاز المناعي ذات
وظائف متخصصة، وهذه التخصصات تهب الفقاريات القدرة على تعرف الأحياء المجهرية التي توطد أركانها في بيئات صِغْرِيَّة (مكروية)
مختلفة ضمن الجسم فتقضي عليها (أو تسيطر عليها على أقل تقدير). إن تعقّد الاستجابة المناعية ـ وهو السمة ذاتها التي تُكسبها مرونة
ونفوذا غير اعتياديّيْن ـ يطرح تحديات كبيرة أمام أولئك الذين يودون حل ألغاز هذه الاستجابة.
وانطلاقا من هذه الفكرة، فإنه من المجدي وصف الفهم الحالي للاستجابة المناعية بالنسبة إلى علاقتها بالأنماط الخمجية المختلفة. ويمكن
القول بوجه عام: إن كل مكوِّن من مكونات الجهاز المناعي يبدو موجها ضد العوامل التي تخمج موضعا محددا في جسم الإنسان. وعلى
سبيل المثال، إن البروتينات المناعية التي يطلَق عليها اسم الأضداد فعالة على نحو خاص في تخريب البكتيريا (الجراثيم) التي تعيش خارج
الخلايا البشرية ـ ولْنقلْ في الدم أو في السائل المحيط بالخلايا الرئوية. أما كريات الدم البيض المعروفة باللمفاويات التائية CD4 فهي
ذات أهمية أساسية في هزم البكتيريا والطفيليات التي تعيش داخل الخلايا، وعلى الخصوص تلك الموجودة في العُضَيّات organelles
التي تؤلف طريق عبورها إلى الخلايا. وهناك صنف آخر من كريات الدم البيض هو اللمفاويات التائية CD8 يقضي على العوامل
المُمْرِضَة كالڤيروسات المرتبطة ارتباطا وثيقا جدا بالماكِنة الخلوية للعائل.
وبالطبع، إن هذه النظرة إلى الجهاز المناعي نظرة مفرطة في التبسيط، إذ إن أشد الاستجابات المناعية وقاية تقتضي أن تعمل مكونات
الجهاز المناعي جميعها على نحو منسجم. ومن الناحية العملية، إن كل جزء من هذا الجهاز المناعي قد يدخل بشكل مباشر أو غير مباشر
في صد أي نمط من الأخماج تقريبا. وعلى سبيل المثال، يغلب أن يطلَق على الخلايا التائية CD4، وبقليل من الدقة، اسم الخلايا التائية
المساعدة (المؤازرة) helper T cells لأنها من الوجهة العملية تفرز مواد تضخم مظاهر المناعة وتضبطها جميعا. ومهما يكن الأمر، فهذا
المخطط المبسط يقدم حقا نظرة عميقة إلى الاستجابات الرئيسية في معركة الجهاز المناعي ضد العوامل الممرضة.